كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


78 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هناك رجل مريض بمرض القلب، ولا يعمل عنده إلا جزء بسيط يحتاج إلى الدواء باستمرار، يعني تقريباً كل ثمان ساعات أو ست ساعات فهل يسقط عنه الصوم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم‏.‏ يسقط عنه الصوم، ويطعم عن كل يوم مسكيناً، إن شاء أعطى المساكين كل مسكين ربع صاع من الأرز، وإن جعل معه لحماً فهو أحسن، وإن شاء عشَّاهم في آخر ليلة من رمضان، أو غداهم في يوم آخر في الفطر، كل ذلك جائز‏.‏

* * *

88 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا برىء شخص من مرض سبق أن قرر الأطباء استحالة شفائه منه، وكان ذلك بعد مضي أيام من رمضان فهل يطالب بقضاء الأيام السابقة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا أفطر شخص رمضان أو من رمضان لمرض لا يرجى زواله‏:‏ إما بحسب العادة، وإما بتقرير الأطباء الموثوق بهم، فإن الواجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا فعل ذلك وقدر الله له الشفاء فيما بعد، فإنه لا يلزمه أن يصوم عما أطعم عنه، لأن ذمته برئت بما أتى به من الإطعام بدلاً عن الصوم‏.‏

وإذا كانت ذمته قد برئت فلا واجب يلحقه بعد براءة ذمته، ونظير هذا ما ذكره الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في الرجل الذي يعجز عن أداء فريضة الحج عجزاً لا يرجى زواله، فيقيم من يحج عنه ثم يبرأ بعد ذلك، فإنه لا تلزمه الفريضة مرة ثانية‏.‏

* * *

98 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ شخص والدته محبة للخير، ولذا تشق على نفسها بكثرة الطاعات من صيام وقيام مما يسبب لها التعب والمرض، وقد نصحها الأطباء فلم تستجب‏؟‏ ولذا فإنه لا يوصلها إلى الحرم إذا طلبت كنوع من الاحتجاج على فعلها، ومع ذلك فهي تلجأ إلى السائق ليقوم بتوصيلها فما رأيكم في تصرفها وفي تصرفه معها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا السؤال يتضمن خلاصته أن لديهم أمًّا حريصة على فعل الخير، لكنها تشق على نفسها في ذلك خلاف المشروع، فإنه ليس من المشروع، بل ولا من المطلوب من المرء أن يتعبد لله تعالى بعبادات تشق عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه يقوم الليل ولا ينام، ويصوم النهار ولا يفطر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن لربك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه‏)‏ رواه مسلم‏.‏ فالإنسان نفسه عنده أمانة، يجب عليه أن يرعاها حق رعايتها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا‏)‏‏.‏ وإذا كان الإنسان في الشيء الواجب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ‏(‏صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب‏)‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏ ولما رفع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أصواتهم بالذكر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اربعوا على أنفسكم‏)‏ رواه البخاري‏.‏ لا تكلفوها امشوا بطمأنينة كما يمشي الناس في الربيع، والناس في الربيع يمشون بطمأنينة لا يستعجلون في المشي حتى ترتع الإبل ولا تتكلف المشي‏.‏

فنقول لهذه المرأة ـ نسأل الله تعالى أن يزيدها من فضله رغبة في طاعته ـ نقول لها‏:‏ ينبغي لها أن تتمشى في طاعة الله على ما جاء في شريعة الله عز وجل، وألا تكلف نفسها، وأن تتقي الله في نفسها، وأن لا تشق على نفسها لا بالصيام ولا بالقيام ولا بغيره‏.‏

وأما ركوبها مع السائق وحدها فهذا محرم، لأنه لا يجوز للمرأة أن تخلو برجل غير محرم لها في السيارة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يخلون رجل بامرأة‏)‏ وهذا النهي عام، أما السفر فلا تسافر المرأة بلا محرم، ولو كان معها غيرها‏.‏ فهنا أمران‏:‏ خلوة وهي حرام في الحضر والسفر، وسفر وهو حرام إلا بمحرم‏.‏

والحاصل أن ما يفعله بعض الناس من ركوب المرأة وحدها مع السائق حرام ولا يحل، فلا يحل للمرأة أن تركب وحدها مع السائق، لأنها في خلوة مع الرجل‏.‏ يقول بعض الناس‏:‏ إن هذا ليس بخلوة، لأنها تمشي في السوق‏!‏‏!‏ فيقال‏:‏ بل هو خلوة، بل وأعظم، لأن السيارات الآن تغلق زجاجها، فلو تكلم معها الرجل بكل كلام لم يسمعه أحد، ولأنه في الواقع خال بها في غرفة، لأن السيارة بمنزلة الغرفة، ولأننا نسأل كثيراً عن مثل هذه المسائل ويحدث فيها حوادث كثيرة جداً وخطيرة، ولا أحب أن أذكرها في هذا المقام، لأنها دنيئة جداً، فالمهم أنه لا يستريب عاقل بأن ركوب المرأة مع السائق وحدها حرام لدخوله في الخلوة، ولأنه يفضي إلى مفاسد وفتن كبيرة، وهذه المرأة الآن مسكينة تذهب مع السائق وحدها إلى الحرم يخلو بها، فتقع فيما حرم الله عز وجل لإدراك أمر ليس بواجب عليها‏.‏

أما بالنسبة لامتناع الابن عن إيصالها إلى المسجد الحرام فإن هذا إذا كان قصده لعلها تمتنع فهذا طيب، لكن المشكلة أنها مصرة على الذهاب، فأرى أن لا يمتنع مادامت إذا لم يذهب بها طلبت من السائق أن يذهب معها وهو غير محرم، فالذي أرى ألا يمتنع إذا كانت مصممة على الذهاب‏.‏

* * *

09 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ امرأة ظاهر منها زوجها وطلبت منه صيام شهرين متتابعين فأنكر هذا الظهار، فأطعمت ستين مسكيناً، ولكن بعد أن مسها فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ دعوى الزوجة أن زوجها أنه ظاهر منها غير مقبولة، لأننا لو قبلنا دعواها لقبلناها بدون بينة، ولو قبلنا دعوى الزوجة بأن زوجها ظاهر منها، لكانت كل امرأة لا تريد زوجها أن يقربها تدعي أنه ظاهر منها، ليمتنع منها قبل الكفارة، ولكن إذا علمت هي علم اليقين أنه ظاهر، فإنها تمتنع منه بقدر الإمكان، حتى يفعل ما أمره الله به من الكفارة‏.‏

* * *

19 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن رجل يقول‏:‏ إني مصاب بمرض الصرع ولم أتمكن من صوم شهر رمضان المبارك، وذلك لاستمراري على العلاج ثلاثة أوقات يومياً، وقد جربت صيام يومين ولم أتمكن، علماً أنني متقاعد، وتقاعدي يصل إلى ثلاثة وثمانين ديناراً شهريًّا، وصاحب زوجة وليس لي أي وارد غير تقاعدي، فما حكم الشرع في حالتي إذا لم أتمكن من إطعام ثلاثين مسكيناً خلال شهر رمضان‏؟‏ وما هو المبلغ الذي أدفعه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان هذا المرض الذي ألمّ بك يرجى زواله في يوم من الأيام فإن الواجب عليك أن تنتظر حتى يزول هذا المرض ثم تصوم، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏، أما إذا كان هذا المرض مستمرًّا لا يرجى زواله فإن الواجب عليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً، ويجوز أن تصنع طعاماً غداء أو عشاء وتدعو إليه مساكين بعدد أيام الشهر، وتبرأ ذمتك بذلك، ولا أظن أحداً يعجز عن هذا إن شاءالله تعالى، ولا حرج عليك إذا كنت لا تستطيع أن تطعم هؤلاء المساكين في شهر واحد أن تطعم بعضهم في شهر، وبعضهم في شهر، وبعضهم في شهر، حسبما تقدر عليه‏.‏

* * *

29 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما هو السفر المبيح للفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ السفر المبيح للفطر وقصر الصلاة هو ‏(‏38‏)‏ كيلو ونصف تقريباً، ومن العلماء من لم يحدد مسافة للسفر، بل كل ما هو في عرف الناس سفر فهو سفر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ثلاثة فراسخ قصر الصلاة، والسفر المحرم ليس مبيحاً للقصر والفطر، لأن سفر المعصية لا تناسبه الرخصة، وبعض أهل العلم لا يفرق بين سفر المعصية وسفر الطاعة لعموم الأدلة، والعلم عند الله‏.‏

* * *

39 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل للفطر في السفر أيام معدودة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ليس له أيام معدودة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة دخلها في رمضان في العشرين منه ولم يصم بقية الشهر، كما صح ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيما أخرجه البخاري، وبقي بعد ذلك تسعة أيام أو عشرة، فبقي عليه الصلاة والسلام في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة وأفطر في رمضان‏.‏

* * *

49 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم السفر في رمضان من أجل الفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الصيام في الأصل واجب على الإنسان، بل هو فرض وركن من أركان الإسلام كما هو معلوم، والشيء الواجب في الشرع لا يجوز للإنسان أن يفعل حيلة ليسقطه عن نفسه، فمن سافر من أجل أن يفطر كان السفر حراماً عليه، وكان الفطر كذلك حراماً عليه، فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرجع عن سفره ويصوم، فإن لم يرجع وجب عليه أن يصوم ولو كان مسافراً، وخلاصة الجواب‏:‏ أنه لا يجوز للإنسان أن يتحيل على الإفطار في رمضان بالسفر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه كما أن التحيل على المحرم لا يجعله مباحاً‏.‏

* * *

59 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن رجل نوى السفر فأفطر في بيته، لجهله، ثم انطلق هل عليه الكفارة قياساً على الجماع في التعمد كقول المالكية‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ حرام عليه أن يفطر وهو في بيته، ولكن لو أفطر قبل مغادرته بيته فعليه القضاء فقط، وليس عليه الكفارة قياساً على الجماع، لأن الجماع يفارق غيره من المحظورات، ولهذا يفسد النسك في الحج والعمرة، ولا يفسده غيره من المحظورات، فالجماع له شأن أعظم، ولا يقاس الأدنى على الأعلى، ومن قال من العلماء‏:‏ إن من أفطر بأكل أو شرب أو جماع فعليه الكفارة‏.‏ فقوله ليس بصواب، لأن الكفارة ليست إلا في الجماع‏.‏

* * *

69 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا كنت مسافراً ومكثت ثلاثة أيام هل يحق لي أن أفطر في السفر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كنت مسافراً يحق لك أن تفطر في أثناء الطريق، وفي البلد التي مكثت فيها، مثل لو ذهبت إلى مكة للعمرة خمسة أيام أو ستة أيام، افطر في مكة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، في ثمانية عشر أو عشرين من شهر رمضان، وبقي مفطراً بقية الشهر ولم يصم، بل كان يأكل ويشرب ويقصر الصلاة، فلك أن تفطر في مكة أثناء سفرك حتى ولو لم يكن في الصوم مشقة، لكن الأفضل أن تصوم إذا لم يشق‏.‏

* * *

79 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم صيام المسافر إذا شق عليه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا شق عليه الصوم مشقة محتملة فهو مكروه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد ظُلل عليه والناس حوله زحام، فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ صائم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏ليس من البر الصيام في السفر‏)‏ وأما إذا شق عليه مشقة شديدة فإن الواجب عليه الفطر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شكى إليه الناس أنهم قد شق عليهم الصيام أفطر، ثم قيل له‏:‏ إن بعض الناس قد صام فقال‏:‏ ‏(‏أولئك العصاة‏.‏ أولئك العصاة‏)‏ وأما من لا يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان كما قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة‏.‏

* * *

89 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن حكم صوم المسافر مع أن الصوم لا يشق على الصائم في الوقت الحاضر لتوفر وسائل المواصلات الحديثة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المسافر له أن يصوم وله أن يفطر، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وكان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم الصائم ومنهم المفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر، قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ‏(‏سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة‏)‏، والقاعدة في المسافر أنه يخيز بين الصيام والإفطار، ولكن إن كان الصوم لا يشق عليه فهو أفضل؛ لأن فيه ثلاث فوائد‏:‏

الأولى‏:‏ الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

الثانية‏:‏ سهولة الصوم على الإنسان؛ لأن الإنسان إذا صام مع الناس كان أسهل عليه‏.‏

الثالثة‏:‏ سرعة إبراء ذمته، هذا إذا كان الصوم لا يشق عليه‏.‏

فإن كان يشق عليه فإنه لا يصوم، وليس من البر الصيام في السفر في مثل هذه الحال، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً قد ظلل عليه وحوله زحام فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ صائم، فقال‏:‏ ‏(‏ليس من البر الصيام في السفر‏)‏ فينزل هذا العموم على من كان في مثل حال هذا الرجل يشق عليه الصوم، وعلى هذا نقول‏:‏ السفر في الوقت الحاضر سهل كما قال السائل‏:‏ لا يشق الصوم فيه غالباً فإذا كان لا يشق الصوم فيه فإن الأفضل أن يصوم‏.‏

* * *

99 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما رأيكم في هذا القول‏:‏ ‏(‏المسافر إذا أكمل صومه له أجران‏)‏‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ رأيي في هذا أنه لا دليل عليه، بل المسافر إذا كان يشق عليه الصوم فهو منهي عن ذلك، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد ظلل عليه وحوله زحام فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ صائم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏ليس من البر الصيام في السفر‏)‏‏.‏

* * *

001 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل الصيام أفضل للمسافر أم الإفطار‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الأفضل فعل ما تيسر له‏:‏ إن كان الأيسر له الصيام فالأفضل الصيام، وإن كان الأيسر له الإفطار فالأفضل الإفطار، وإذا تساوى الأمران فالأفضل الصيام؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، وهو أسرع في إبراء الذمة، وهذا أهون على الإنسان، فإن القضاء يكون ثقيلاً على النفس، وربما نرجحه أيضاً، لأنه يصادف الشهر الذي هو شهر الصيام، إذاً فله ثلاثة أحوال‏:‏

1 ـ أن يكون الإفطار أسهل له، فليفطر‏.‏

2 ـ الصيام أسهل، فليصم‏.‏

3 ـ إذا تساوى الأمران، فالأفضل أن يصوم‏.‏

* * *

101 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما حكم صيام من قدم للعمرة في رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ حكم صيامه أنه لا بأس به، وقد سبق لنا قبل قليل‏:‏ أن المسافر إذا لم يشق عليه الصوم فالأفضل أن يصوم، وإن أفطر فلا حرج عليه، وإذا كان هذا المعتمر يقول‏:‏ إن بقيت صائماً شق عليَّ أداء نسك العمرة فأنا بين أمرين‏:‏ إما أن أؤخر أداء أعمال العمرة إلى ما بعد غروب الشمس وأبقى صائماً حين وصولي إلى مكة، وإما أن أفطر وأبادر بالعمرة‏.‏ فنقول له‏:‏ الأفضل أن تفطر وأن تؤدي أعمال العمرة حين وصولك إلى مكة، لأن هذا أعني أداء العمرة من حين الوصول إلى مكة هذا هو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن مقصود المعتمر هو العمرة، وليس مقصوده الأهم أن يصوم في مكة‏.‏

* * *

201 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ المسافر إذا وصل مكة صائماً فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح في اليوم العشرين من رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم مفطراً، وكان يصلي ركعتين في أهل مكة، ويقول لهم‏:‏ ‏(‏يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر‏)‏، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير ـ رحمهما الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً في ذلك العام، أي أنه أفطر عشرة أيام في مكة في غزوة الفتح، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال‏:‏ ‏(‏لم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر‏)‏ كما أنه بلا شك كان يصلي ركعتين في هذه المدة؛ لأنه كان مسافراً، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة، فلا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطراً، بل قد نقول له‏:‏ الأفضل إذا كان ذلك أقوى على أداء العمرة أن لا تصوم، مادمت إذا أديت العمرة تعبت، وقد يكون بعض الناس مستمرًّا على صيامه حتى في السفر، نظراً لأن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس به مشقة، فيستمر في سفره صائماً، ثم يقدم مكة ويكون متعباً، فيقول في نفسه‏:‏ هل أستمر على صيام، أو أؤجل أداء العمرة إلى ما بعد الفطر‏؟‏ أي إلى الليل، أو الأفضل أن أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي إلى مكة‏؟‏ نقول له في هذه الحال‏:‏ الأفضل أن تفطر حتى لو كنت صائماً فأفطر لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في النسك بادر إلى المسجد، حتى كان ينيخ راحلته صلى الله عليه وسلم عند المسجد، ويدخله حتى يؤدي النسك الذي كان متلبساً به صلى الله عليه وسلم، فكونك تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار أفضل من كونك تبقى صائماً، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً في سفره لغزوة الفتح، فجاء إليه أناس فقالوا‏:‏ يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل‏؟‏ وكان هذا بعد العصر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشرب، والناس ينظرون، فأفطر صلى الله عليه وسلم في أثناء السفر، بل أفطر في آخر اليوم، كل هذا من أجل أن لا يشق الإنسان على نفسه بالصيام، وتكلف بعض الناس في الصوم في السفر مع المشقة لا شك أنه خلاف السنة، وإنه ينطبق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ليس من البر الصيام في السفر‏)‏‏.‏

301 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ يوجد شخص الآن يفطر فما قولكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ وجود شخص يفطر في مكة في مثل هذا اليوم ليس بغريب؛ لأن مكة فيها الآفاقي، وفيها المواطن الذي من أهل مكة، والآفاقي يجوز له إذا كان قد أتى إلى العمرة وسيرجع إلى بلده يجوز له أن يفطر، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأخشاهم له فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في اليوم العشرين من رمضان فصادف بقاؤه في مكة العشر الأواخر من رمضان ولم يصم، ثبت ذلك عنه في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قد بقي في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، عشرة منها في رمضان وتسعة في شوال، فهذا الرجل الذي يفطر الآن ليس بغريب، وهذه المسألة مسألة يجهلها الناس، يظن الناس أن من قدم إلى مكة لزمه الإمساك، وأنه لا يجوز أن يفطر‏.‏

* * *

401 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا كنت مسافراً في رمضان وكنت مفطراً في سفري وعند وصولي إلى البلد الذي سأمكث فيه عدة أيام أمسكت بالصيام في بقية ذلك اليوم، وفي الأيام التالية فهل لي رخصة في الإفطار في نهار هذه الأيام وأنا في بلد ليس في بلدي الأصلي أم لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم يجوز للمسافر إذا صام في سفره أن يفطر في أثناء النهار، ولا حرج عليه، كما أفطر النبي صلى الله عليه وسلم في حال السفر‏.‏

* * *

501 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ كيف يصوم من سفره مستمر مثل أصحاب الشاحنات‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إن الله تعالى قد بين حكم هذه المسألة في قوله‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏ فسائق الشاحنة مادام مسافراً فله أن يترخص بجميع رخص السفر من القصر والجمع، والفطر في رمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام وغيرها مما هو معروف في أحكام السفر‏.‏

وعلى هذا فنقول‏:‏ يجوز له أن يفطر في هذه الحال ولو كان دائماً يسافر في هذه السيارة؛ لأنه مادام له مكان يأوي إليه وأهل يأوي إليهم، فهو إذا فارق هذا المكان وأولئك الأهل فهو مسافر، وعلى هذا فيجوز له أن يفعل ما يفعله المسافرون، فإن الله تعالى قد أطلق في الآية فقال‏:‏ ‏{‏أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏ ولم يقيده بشيء، فما أطلقه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب العمل بمطلقه‏.‏

فإذا قال‏:‏ كيف أصنع وأنا دائماً في هذه المهنة أسافر دائماً صيفاً وشتاءً‏؟‏

فنقول له‏:‏ إذا كنت في أهلك في رمضان يجب عليك أن تصوم، وإذا كنت في غير أهلك فأنت مسافر، ولا يجب عليك أن تصوم، ثم إنه من الممكن أن نقول بأن لك فائدة عظيمة، وهي أنك بدلاً من أن تصوم في هذا الحر الشديد تصوم في أيام الشتاء القصيرة المدة الباردة الجو، وذلك أسهل لك من الصيام في السفر في مثل هذه الأيام الطويلة الشديدة الحر، والله أعلم‏.‏

* * *

601 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل ينطبق حكم المسافر على سائقي السيارات والحافلات لعملهم المتواصل في نهار رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم ينطبق حكم السفر عليهم، فلهم القصر والجمع والفطر‏.‏

فإذا قال قائل‏:‏ متى يصومون وعملهم متواصل‏؟‏

قلنا‏:‏ يصومون في أيام الشتاء لأنها أيام قصيرة وباردة‏.‏

أما السائقون داخل المدن فليس لهم حكم المسافر ويجب عليهم الصوم‏.‏

* * *

701 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ كم مدة المسح للمسافر العاصي‏؟‏ وهل يجوز له الفطر والقصر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المشهور من المذهب أن المسافر العاصي بسفره وهو الذي أنشأ السفر من أجل المعصية، أو كان السفر حراماً عليه فعصى وسافر، أنه لا يترخص برخص السفر حتى يتوب، فلا يجوز له القصر، ولا الفطر، ولا يمسح على الخفين إلا يوماً وليلة فقط‏.‏

والقول الثاني‏:‏ أن المسافر العاصي بسفره آثم، عليه أن يتوب من ذلك، ولكنه يترخص برخص السفر فيقصر ويفطر ويمسح ثلاثة أيام؛ لأن هذه الأحكام معلقة بالسفر وقد حصل، أما المعصية فعليه أن يتوب منها، وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن العاصي بسفره يقصر، وربما يقاس على كلامه بقية رخص السفر‏.‏

* * *

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرمحفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتابكم الكريم وصل سرنا صحتكم الحمد لله على ذلك، وفهمت ما فيه من مشكلة الأخ‏.‏‏.‏‏.‏

وجوابها‏:‏ أنه ليس في مسألته إشكال، فالرجل وأهله في أمريكا على سفر لم يقيما في أمريكا إلا لحاجة متى انتهت رجعوا من أمريكا وقد قال الله تعالى في الصيام‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏ وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تحديد السفر بمدة معينة، بل قد أقام صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة وكونه يقصر الصلاة دليل على أن حكم السفر باق لم ينقطع بإقامة هذه المدة، ولم يقل لأمته‏:‏ إذا أقمتم أكثر من ذلك فقد انقطع حكم سفركم، وليس عند من حدد انقطاع حكم السفر بمدة دليل، ولذلك تجدهم مختلفين في ذلك، فمنهم من حده بأربعة أيام، ومنهم من حده بإحدى وعشرين صلاة، ومنهم من حده بخمسة عشر يوماً، ومنهم من حده بتسعة عشر يوماً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى ‏(‏ص 731 ج 42‏)‏‏:‏ فقد تضمنت هذه الأقوال ‏(‏يعني أقوال المحددين لمدة انقطاع السفر‏)‏ تقسيم الناس إلى مسافر، ومقيم مستوطن، ومقيم غير مستوطن، أوجبوا عليه إتمام الصلاة والصيام والجمعة، قال‏:‏ وهذا تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع، قال‏:‏ والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة ليس معلوماً بشرع ولا لغة ولا عرف، وقال ‏(‏في ص 481 من المجلد المذكور‏)‏‏:‏ وقد بين في غير موضع أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله إلا مقيم ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة‏.‏ اهـ

وعلى هذا فليس على الأخ‏.‏‏.‏‏.‏ سوى قضاء الأيام التي أفطرها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏ ففي هذه الآية الكريمة والآية التي ذكرناها قبل أن الواجب عليه عدة من أيام أخر‏.‏ وزوجته مثله بل فيها عذر آخر وهو الحمل إذا كان الصيام يشق عليها فإنها تفطر ولو كانت في بلدها وتقضي كالمريض‏.‏ وليس على الأخ ‏.‏‏.‏‏.‏ ولا على أهله إثم بفطرهما المذكور لأنهما على سفر، صحيح أن الأفضل للمسافر أن يصوم إذا لم يجد أي مشقة في الصوم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام في رمضان ثم أفطر لما قيل له‏:‏ إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينتظرون ما تفعل‏.‏ ولأن صومه في الشهر أسهل من القضاء غالباً، ولأنه أسرع في إبراء ذمته، وأما وجوب الصوم عليه حال السفر فلا‏.‏ نعم إن كان يخشى المسافر من نفسه إذا أفطر أن لا يقضي فهنا قد يقال بوجوب الصوم عليه، والله أعلم‏.‏

بقي شيء في كتابكم أشرتم إليه وهو كثرة النساء هناك، وأن الإنسان لا يستطيع غض البصر‏.‏

فالحقيقة أن غض البصر نوعان‏:‏ نوع يستطيعه الإنسان ولا يعذر بتركه وهو عدم اتباع نظره النساء وتعمد رؤيتهن، وهذا شيء يستطيعه، وهو واجب عليه، أعني عدم اتباع نظره وتعمد رؤيتهن، لأنه في مقدوره، ولا فرق بين أن يكون في بلد يكثر فيه السفور أو يقل‏.‏

والنوع الثاني‏:‏ لا يستطيعه الإنسان وهو النظر المباغت يرى المرأة فلا يتبع نظره إليها ولا يتعمد، بل هو ماش في طريقه فهذا لا يضره، ولا يأثم به، لأنه في غير مقدوره، وهذا والله أعلم هو السر في قوله‏:‏ ‏{‏قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ‏}‏ حيث جاء بمن الدالة على التبعيض، إذ بعض الغض لا يجب، وهو ما لا يدخل في مقدور الإنسان، أو ما تدعو الضرورة إليه‏:‏ كنظر الطبيب ونحوه، أو الحاجة كنظر الخاطب‏.‏

وأخيراً سلم لنا على الأخ ‏.‏‏.‏‏.‏ وبشره بالخير، وهنئه على ما في قلبه من خوف الله عز وجل، فإن الخائفين من الله في الدنيا هم الآمنون يوم القيامة‏.‏

نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الخوف من عذابه، ورجاء ثوابه، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم‏.‏

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏ 02/1/8931هـ‏.‏

801 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ متى وكيف تكون صلاة المسافر وصومه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه، لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ‏:‏ أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر، وفي رواية‏:‏ وزيد في صلاة الحضر، وقال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة‏.‏

لكن إذا صلى مع إمام يتم صلى أربعاً، سواء أدرك الصلاة من أولها أم فاته شيء منها، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏ فعموم قوله‏:‏ ‏(‏ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏ يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم‏.‏ وسئل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ‏:‏ ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعاً إذا أئتم بمقيم‏؟‏ فقال‏:‏ تلك السنة‏.‏

ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر، لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً‏}‏ الآية‏.‏ وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيداً، أو يخاف فوت رفقته، لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة‏.‏

وأما التطوع بالنوافل فإن المسافر يصلي جميع النوافل سوى راتبة الظهر والمغرب والعشاء فيصلي الوتر، وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وراتبة الفجر وغير ذلك من النوافل غير الرواتب المستثناة‏.‏

أما الجمع فإن كان سائراً فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير حسب الأيسر له، وكلما كان أيسر فهو أفضل‏.‏

وإن كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع وإن جمع فلا بأس لصحة الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما صوم المسافر في رمضان فالأفضل الصوم، وإن أفطر فلا بأس ويقضي عدد الأيام التي أفطرها، إلا أن يكون الفطر أسهل له، فالفطر أفضل؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، والحمد لله رب العالمين‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في/9041هـ‏.‏

* * *